Lignes quotidiennes

Lignes quotidiennes
Dernier ouvrage paru : L'Algérie en 100 questions. Un pays empêché (Tallandier, 2019)

vendredi 22 mars 2013

هيسيل وحقائق فرنسوا هولاند المواربة

_

Al-Akhbar :

يصبح هولاند من المتزمتين ما إن تذكر أمامه مسألة فلسطين (أ ف ب)
 

 

 
«كان بإمكانه الانطلاق من قضية شرعية، مثل قضية الشعب الفلسطيني، فيثير بتصريحاته حالة عدم فهم بين أصدقائه، وأنا واحد منهم. الصدق لا يلتقي بالضرورة مع الحقيقة، هو كان يدرك ذلك، ولكن أحداً لم يستطع أن ينتقص من شجاعته». هذا المقطع مقتبس من خطاب الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند خلال مراسم تأبين الراحل ستيفان هيسيل.
«عدم الفهم»، يا له من تعبير دنيء، إن لم نقل شيئاً آخر. فما عساك تصف إسفافاً مماثلاً بالكاد تخفيه أناقة الأسلوب؟ كم من اشتراكي فرنسي، ويتصدرهم رئيسهم، يصبحون متزمتين يائسين ما إن تذكر أمامهم مسألة فلسطين والفلسطينيين. وكم ينتشر النفاق وقلّة...، دعونا نقول قلّة الشجاعة، في حزب يرفع راية الحركة الإنسانية وتعهدات جان جوريس.
ما الذي فعله أو قاله ستيفان هيسيل، ليشعر الرئيس الفرنسي بأنه مضطر إلى تحييد نفسه عنه حتى في يوم دفنه؟ هل هو عميل قديم تورط بالشؤون المالية لبعض سياسيي اليسار؟ هل هو ناكر للمحرقة اليهودية؟ هل هو أحد الرموز الفاسدة لعلاقات فرنسا مع أفريقيا التي لطالما كانت مصدر تمويل للحياة السياسية الفرنسية؟ هل هو صديق أو محامي بعض القادة الأفارقة الذين احتضنهم الحزب الاشتراكي قبل أن يضحوا طغاةً، لا يكترثون بحقوق ولا بإنسان؟ كلا، لم يكن أيّ من ذلك، فستيفان هيسيل كان رجلاً يلتزم التعهدات، ويقول كلمة الحق علناً، حتى في أحلك الظروف.
يظنّ المرء أن هذا المقاوم العتيق كان ليدفن في مقبرة العظماء بالبانثيون في باريس، لو لم تخطر له فكرة الدفاع عن الشعب الفلسطيني والإعلان بالصوت العالي أنّ وضع هذا الشعب غير مقبول وفق القوانين الدولية ووفق القيم الأخلاقية الأساسية. وهذا ما لم يفهمه فرنسوا هولاند... أو، ما ادّعى أنه لم يفهمه. ففي مثل هذا الوضع المخزي، لا يخفى على أحد، الأسباب الحقيقية التي تدفع البعض إلى إضافة كلمة «ولكن» على «النعم» التي يعطونها لهيسيل وذكراه. هذا إن لم نشر إلى أولئك الذين ازدروه، فيبدو أنّ أحداً لم يعلمهم أصول اللياقة بعدم الإساءة إلى الميت، خصماً سياسياً كان أو حتى عدواً.
وبالعودة إلى هولاند ونظرته إلى الحقيقة، يبقى السؤال هو نفسه: هل يمكننا في فرنسا انتقاد إسرائيل والحديث عن الظلم اللاحق بالفلسطينيين دون أن نتهم، كما حصل مع ستيفان هيسيل بمعاداة السامية؟ لا نسعى هنا إلى الإجابة عن هذا السؤال بنحو موسّع؛ فقد سبق أن طرحه كتّاب كثيرون، بينهم المفكّر إدغار موران، وقد أحيلوا على المحاكم لأنهم أعربوا علناً عن رأيهم بدولة إسرائيل. المثير في تصريح فرنسوا هولاند أنه يطرح التساؤلات عن مدى جدية الخطاب العام حين يتعلق الأمر بالدولة العبرية والمسألة الفلسطينية.
في الطبقة السياسية الفرنسية، أشخاص يستشرسون في دعم إسرائيل، لكن يوجد أيضاً من لم يخف يوماً من إعلان تأييده للفلسطينيين، نذكر بنحو خاص الشيوعيين والعديد من مناصري البيئة واليسار المتطرف. ثمّ يأتي الآخرون، أصحاب الأقنعة الذين يدافعون عن إسرائيل في العلن، ولكن آراءهم الشخصية تختلف تماماً. ففي مجالسهم الخاصة قد يستخدمون عبارات لاذعةً مناهضة لإسرائيل، يمكن وصفها حتى بمعاداة السامية. بالنسبة إليهم هذه «الإسرائيلفيليا» إن جاز التعبير، ما هي إلا استراتيجية يعتمدونها كي لا يُنفروا أولئك الذين يظنّون أنفسهم الداعمين الفرنسيين الجبابرة للدولة العبرية. وهذه الظاهرة شائعة عند بعض العرب ــ البربر الذين يسعون إلى الترويج لأنفسهم في وزارة الخارجية الفرنسية. وعلينا الاعتراف بأن هذه الاستراتيجية تنجح، على الأقل لبعض الوقت. ولكن يا له من دجل ونفاق! ها هو إمام المسجد اللطيف، كان بالأمس ينادي بارتداء النقاب، واليوم يتكلّم بالحسن عن إسرائيل. وها هو الكاتب المسلم الشجاع (ولكن العلماني) الذي لا يتفوه بكلمة عن الأطفال الفلسطينيين بل يصبّ غضبه على من له... وهنا الصحافي العربي المغوار الذي يدافع عن قصف قطاع غزّة. في الواقع، هؤلاء المتصنعون هم معادو السامية الحقيقيون. فمثل اليمين المتطرف الفرنسي في ثلاثينيات القرن الماضي، هم يؤمنون بشدّة بوجود لوبي يهودي خارق، يمسك بكلّ الخيوط من وراء الكواليس. والأسوأ، هو أن خداعهم لا يخفى على أحد، بمن فيهم المعنيون بنحو رئيسي، ونعني المدافعين عن إسرائيل. ولكن يبدو أن هؤلاء يفضلون النفاق على مواجهة المعارضة العلنية.
هذا هو الواقع. إنها اللعبة النتنة القائمة على المظاهر والوضعيات التي تجبر البعض على ادعاء ما لا يؤمن به. ليسقط الشرف إذاً، هذه القيمة باتت ثانويةً في زمن اليوم، وليسقط الاحترام الذي ندين به للآخرين، هذا الاحترام الذي يفرض علينا التمسّك بقناعاتنا والتصرّف على أساسها. كلا، ما كان ستيفان هيسيل ليرغب بالمواربين الذين يدّعون الحقيقة ويمطروننا بشعارات لا يؤمنون بها.

أكرم بلقايد


* صحافي جزائري/ تونسي مستقلّ يعمل في مجموعة صحف عربيّة وأجنبيّة، بينها «لو موند

Aucun commentaire: